علي ماضي // سجلت بعض الملاحظات على هامش حضوري الاحتفالية التي أقامها موقع الكوت نت الالكتروني بمناسبة نهاية العام الحالي(2009) المخصص لتكريم مؤسسات وأشخاص مثلوا كافة شرائح المجتمع بوصفهم الأفضل لهذا العام . الترشيح جاء بناءا على استفتاء جماهيري بحسب ما جاء على لسان المشرفين على التنظيم .

1. مجتمع مدني

الاحتفالية كانت بإدارة وتمويل مدني خالص ولم يكن للحكومة المحلية، أو المركزية ، أي دور فيها وهذه علامة صحية تشير إلى:

أ .قدرة منظمات المجتمع المدني على إدارة الكثير من المشاريع دون الحاجة إلى تدخل حكومي.

ب. إمكانية ترشيق الحكومة العراقية التي تبدو وكأنها رجل بدين لا يقوى على الحركة لبدانته الإدارية ، لأنها مسؤولة عن ادارة الكثير من الأمور التي يمكن أن تدار من قبل المواطنين أنفسهم، من خلال منظمات المجتمع المدني ، والقاعدة الذهبية التي تنظم ذلك كلما زاد نشاط المجتمع في أدارة شؤونه أصبح أكثر تحررا ، وانحسرت سطوة الحكومة عليه ، وأصبحت الدولة أكثر رشاقة.

2. تناقض

من ضمن الشرائح المكرمة كانت شخصية مثلت عمال النظافة ( المستهان بها بحسب العرف الاجتماعي العراقي) ، استقبلت هذه الشخصية بتصفيق حار استمر لدقائق حفاوة بهذه الشريحة ، وانأ متأكد أن الكثيرين اعترتهم القشعيرية التي اعترتني ، فرحا وابتهاجا بهذا المستوى من الوعي، على اعتبار أن الحفاوة والتصفيق هما إشارة واضحة لاستيعاب هؤلاء الناس لمعنى النظافة، وما سرني أكثر أن الرجل اعتلى منصة التكريم ببذلة عمله.

من فقرات الحفل تقديم المرطبات والحلويات إلى جمهور الحفل ، وما أثار استغرابي أنهم تركوا نفاياتهم خلفهم دون أن يكلف أي منهم نفسه عناء رفعها ، تخفيفا عن كاهل الشخص الذي صفقوا له قبل قليل ، دلالة على استيعابهم لمعنى النظافة ، وتمنيت لو أنهم قللوا من التصفيق وأكثروا من التطبيق .

3. تدوير

على الطرف الآخر من العالم يقوم المجتمع الغربي بعد أن عرف معنى النظافة ،وأدرك أن استمرار رمي النفايات سيحول الأرض إلى مستودع كبير لها، بإعادة تصنيع النفايات الغير قابلة للتحلل(او ما يعرف بالتدوير)،ثم واجهتهم مشكلة الكلفة العالية لهذه العملية،فسارعوا الى انجاز أول مرحلة من مراحل التدوير في منازلهم ، وذلك بفصل النفايات عن بعضها البعض من خلال تخصيص حاوية لكل نوع من أنواعها: أي أنهم يضعون النفايات الورقية في حاوية غير تلك التي يضعون فيها نفاياتهم البلاستيكية ، أو نفاياتهم المعدنية ، لأنهم مدركون تماما لما لهذه العملية من دور في تقليل النفقات المخصصة فيما لو تمت عملية الفصل في مواقع التدوير المعملية، وينتقدون كل من لا يقوم بها وينعتونه بالتخلف ، وهم بذلك يوفرون من أموال الضرائب التي يدفعونها لتلبية احتياجات أخرى للمجتمع أكثر أهمية ، ويجسدون إدراكهم لمعنى النظافة بشكل متكامل . وحسب مستويات الإدراك الستة التي جاء بها بلووم والتي تبدأ :

1. مستوى المعرفة: والمقصود الحفظ والاستظهار.

2. مستوى الاستيعاب والمقصود القدرة على التعبير باللغة الخاصة

3. مستوى التطبيق: وتعني القدرة على تجسيد ما تعلمه في الحياة اليومية.

4. مستوى التحليل إلى المكونات البسيطة : أي القدرة على تفكيك المعرفة إلى مكونتها الأساسية .

5. مستوى التركيب: استخدام المعرفة الحالية في إبداع معارف جديدة من خلال دمج ما لديه من معارف.

6. مستوى النقد: ويكون قادرا على الحكم على المعارف وبيان ايجابياتها ورفض سلبياتها .

والقراءة التحليلية لسلوك المجتمعيين بحسب ما جاء به بلووم من مستويات للإدراك نستنتج :

· أن المجتمع الواسطي (وهو عينة مهمة للمجتمع العراقي) لم يتجاوز سوى المرحلة الأولى وتوقف عند الثانية، حيث فهم معنى النظافة وعبر عنها بلغته الخاصة المتمثلة بالتصفيق ، ولم يتمكن من التطبيق،وصولا الى مراحل الإدراك العالية.

· في حين أن المجتمع الأمريكي تجاوز مستويات الإدراك كافة التي جاء بها بلووم. بدا من المعرفة وانتهاء بالنقد, ويعود الفضل في ذلك إلى مغادرتهم المنهج التقليدي الضيق الذي ينظر إلى الإنسان إلى انه مستودع لحفظ المعارف واسترجاعها من غير أن يبالي بالأداء والإبداع والقدرة على التحليل واعتمادهم على المنهج الحديث الواسع الذي يراعي الجوانب الإنسانية كافة .

وبالتالي فنحن بحاجة إلى تركيز مستويات بلووم للإدراك في مناهجنا التعليمية ، سواء على مستوى المادة بشكل خاص أو على مستوى المنهج بجميع مراحله الدراسية، ومغادرة المنهج الضيق الذي ينظر للإنسان على انه عقل محمول على جسم دون مراعاة جوانبه النفسية والاجتماعية الأخرى، علينا مغادرة أسلوب التعليم القائم على التلقين، لأنه يخلق من أبناءنا آلات بلهاء تنتظر الأوامر كأنها روبوتات مسيرة وتقتل فيهم نزعة الإبداع والابتكار.

نحن بحاجة إلى تثقيف الأسرة مهد التربية الأول، في مجال علوم التربية والنفس، وصولا بها إلى مراعاة تطبيق مستويات بلووم للإدراك،وغيرها من القواعد التربوية الاخرى ،أثناء تعليم أبناءهم في سني أعمارهم الأولى.

أنا لا اقصد من وراء مقاربتي هذه تأكيد الشعور بالانسحاق أمام الأخر، وإنما ترسيخا لقاعدة ان العقل منظومة تتحسس الاختلاف، لذا أحاول تعريض منظومتنا الفكرية إلى مختلفات لعلي أتمكن من تحريك الركود الذي يلتف حول عقلونا.