الأديب طه الزرباطي // أنا اليوم مقتنعٌ أكثرَ مِن أي وقت ٍ مضى أن الوطنية الحقيقية ليست بحاجة إلى ((زيطه أو زمبليطه)) كما يقول أخواننا المصريون، وليست بحاجة إلى خطب رنانة دعائية ،بل يمكنك أن تمارس وطنيتك بكلمة طيبة ، أوبزرع شجرة تثمر ولو بعد حين فيأكلون ،

وليس بالضرورة أن تعرف من سوف يأكل، أومن يتفيأ بشجرة زرعتها ولو بعد أن ترحل ، مثلما تفيأتَ تحت ظلال أشجار زرعها غيرك ، أو تنعمتَ ببنائهم ، الوطنية أن تحب الجميع دون شروط أو مقاسات مُسبقة ، وأن تحاول أن تنظر للجميع نظرة واحدة وأن لا تنظر من فتحة صغيرة لاتسع أفقا للحرية ،فالحرية تعني أن تعيشها وتمنحها ،لا أن تكتب عنها وتتحدث ،وتكبلها بعقدك ،فالوطنية لاتحتاج نضالا وسجونا كما كانت في السابق،بعد أن أصبح بأمكانك أستثمار صندوق الناخبين لتختار الأكفأ ، هذه المقدمة الطويلة دفعتني أليها أحتفالية لتكريم باقة جميلة من المتميزين في واسط ، حضرتها بدعوة كريمة من القائمين على موقع الكوت نت الألكتروني.
جهود لعدد من الواسطيين الطيبين أبدعوا وبموارد لا تكاد تـُذكر،بعدما كلـَّت ْأياديهم من طرق الأبواب عسى أن يعينهم في تنفيذ فكرتهم هذه أحدٌ من أصحاب ((الكراسي والجاه)) والفكرة هي إسعاد غيرهم والثناء على تواصلهم مع الوطن،حيث يملكون أفكارا جميلة وغير مسبوقة ،وقبلها يملكون قلوبا تعشق العراق كل العراق مثلما كان أهلنا ومنذ قرون ، دون تحديد لإنتماءات و أثنيات وعنصريات ، هؤلاء وببساطة شباب من واسط بعضهم يعمل في موقع ((الكوت نت)) والذي يعمل للعراق كله منطلقا من واسط ،فالذي لا يصون بيته لا يمكنه أن يصون محلته ، أو يصون الوطن.
السياسيون مشغولون بالمقاعد وحجمها وتصنيفات التوزيع القادم للخارطة السياسية ،أنهم يكتبون أنشاءً جميلا عن الوطن ؛ لكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا شيئا على الأرض، ولو مهرجانا فقيرا كمهرجان الانتباه إلى المتميزين من الواسطيين المهرجان الجميل الذي قدمه هؤلاء الرائعون،حيث اختاروا من كل الواسطيين ، أدباء وفنانين وموظفين وأعلاميين وفضائيات وعمال تنظيف ورياضيين وأصحاب محال تجارية ،وأصغر رتب رجال المرور فقط البحث عن المتميزين الذين أجزلوا العطاء لوطن علم العالم الحرف لكنه مفخخ اليوم بنوايا الأعداء وأعزل،إلا من أبنائه .
الماراثون السياسي في أوجِّه في الوصول إلى أحسن المواقع ، فما أهمية ــ عذرا ــ عامل تنظيف صامت ينظف بروحه حتى آخر لحظات الدوام الرسمي الغبار والبارود عن وجه الوطن، أو عمل ((بابا عماد)) الذي يكتب ويخرج ويحترق بنار حبه للوطن ،ثم يلم شمل الممثلين ، يجلب معه نصف قالب من الثلج ويعمل ((سقاءً)) يوزع الماء على مجموعته ومن يحضرون البروفات من عشاق فنه ، وفي حر شهر آب وبدون كهرباء يلقن بالفصحى ، ويعلم أصغر الحركات بقامته الطويلة كنخلة عراقية ، يعرفون جيدا أن لا أحد يدعمهم فهو سيحتار بالملابس ،وبالموسيقى المصاحبة ،مثلما ((سيدوخ )) بالمُصحح اللغوي ،والذي أسمع منه ساعة مجاملة رقيقة قبل أن يخبرني لحضور بروفات مسرحيته الجديدة لمتابعة النحو واللغة ليسمع كل ما يصدر من رأي ، فهو لا يترك شيئا لأنه يريد عملا ناضجا يليق بعراق يسكنه .
أما هذا الجندي المجهول (رجل يقف ) تحت الشمس وأية شمس ،شمس صيف الوطن ، مسكونا بإنسان جميل فلا غرابة أن تتصيده الكاميرا وهو يشتري طيورا من طفل محتاج في وطن النفط الأسود ليُطلِقها ، من يستطيع أن يعلم هذا الشعب معنى الحرية الدبابات ،أم هذا العراقي الكريم ؟ حتى صرخت بأعلى صوتي حماسة ــ وأنا لا أفعلها عادة ــ هذا الشرطي شاعر ؟ نعم أيها السياسيون ، هذا الشرطي عراقي يمارس عراقيته في الظل.
الفكر ، والشعر ،والمسرح ،والفنون الجميلة ، والحب ،والأمانة ،والأختيار وفق الكفاءة ،الوصفة التي يحتاجها العراق لينتصر على جميع المفخخين ، ولينتصر على (الحرامية الأنيقين جدا) وأصحاب الشهادات المزورة ، الأدب والفن كان عراقيا ولم يكن طائفيا ،فلماذا لم تدعم الحكومة المفكرين والأدباء والفنانين في أطار البذخ من أجل الوحدة الوطنية ؟ مثلما دعموا الصحوات ،ومؤتمرات العشائر ، ومؤتمرات دول الجوار ،ودول غير الجوار ، مثلما نشروا الإعلانات في كافة القنوات الصديقة والعدوة ! ولم يفكر السياسي وهو يمر يوميا بسيارته الحديثة المكيفة بهذه الحفر التي تملأ الشوارع ،ولا بهذا العامل الصامت وهو يمسح الغبار والبارود عن وجه الوطن ، أ لأن السياسي يحلم بكرسي أكبر ، وفرصة أخرى،والفقراء يحلمون بوطن أجمل ويبنونه بشغف ؟
أنصحهم جميعا إن ينطلقوا مما قدمه خيرة من شباب وربما كهول قائمون على موقع ((الكوت نت ))، الذين بادروا بروح عراقية صادقة وشفافة البحث عمن يمكن أن يُقدم كمتميز ، بحثوا ،ونجحوا ، نجحوا في إثبات عراقيتهم من خلال واسطيتهم ، ولم يتعبوا من طرق الأبواب ، حتى نجحوا في احتفالية فقيرة لكنها الأجمل ، أجمل من الاحتفاليات الباذخة والدعائية التي تمر يوميا ، تحت شعارات وأسماء ، كنا مأخوذين بالبساطة والصدق ، قال لي البعض هل كانوا منصفين ؟ قلت كانوا عراقيين ، وهم ابتكروا فأجادوا ، ربما نسوا البعض ، وأكيد أنهم سينجحون أكثر ، وكنت شاهدا على تلقائيتهم ،وصدقهم ، بينما أنا أحضر في السنة الواحدة عشرات الأحتفالات والمهرجانات والتي ترصد لها مبالغ جمة ولا تملك هذه التلقائية ، وأكرر القول كما قلت في برقيتي ، أشد على أياديكم ، عشت حماسة عراقية صادقة معكم ،ولقد ألقيتم على جو القاعة نشوة حب عراقي صادق ، نحن جميعا بحاجة إلى مثل هذه الخطى أتمنى إن تساعدكم الحكومة ولا أقول السلطة ،أتمنى من المثقفين الواسطيين في الداخل والخارج أن يدعموا مثل هذا التوجه وأذكر مثلا الفنان نصير شمه ، فضلا عن الجامعة ومجلس المحافظة والمحافظ وقبلهم وزارة الثقافة ، وكل الواسطيين ، هذه الأجواء أعادتنا إلى أجواء السبعينات ، أتمنى الانتباه إلى المرضى والمحتاجين ،ومن لهم عطاء خاص ، أتمنى الانتباه إلى ملامح مدينتنا وتوابعها ، أتمنى الانتباه إلى النخيل التي أحرقتها الحروب على الحدود،لحكومات كانت تنتج الفحم حتى من أجساد أبنائهاونخيلها،كما أتمنى الإنتباه إلى الأنهر التي طمرتها الحروب على خاصرة الوطن فشطبت من الخارطة ،كل هذه أجزاء تكتمل فيكتمل بلدنا الرائع العراق .
شكرا لكم جميعا سوف لن أسميكم بأسمائكم كي لا أنسى أحدا بوركت جهودكم ، وجودكم يعطينا الأمل بأن العراق سينهض رغم أنف الأيدي الخفية التي تمزقه ،وتفخخه ،وتفكك وحدته ، شكرا لكل الحضور الذي حضر الإحتفالية في الثامن عشر من كانون الأول 2009وعلى قاعة النشاط المدرسي ،شكرا لزميلي باسم الشمري فقد كان أنيقا وشفافا وجميلا ،أتمنى لكم جميعا المزيد من التألق ، وقبلكم للعراق الإزدهار والحرية والرقي..
أخوكم الأديب طه الزرباطي عضو أتحاد أدباء وكتاب العراق في ساعة متأخرة من الليل بعد ان اشتقت لتلك الاحتفالية الجميلة ،شكرا للكهرباء الوطنية التي أتاحت لي فرصة كتابة هذه الكلمات…..